بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِـــيمِ
من بعض ما قيل في السمع والبصر
ولماذا قدم الأول على الثاني
قال الله تعالى : (( فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عدداً )) الآية 11 سورة الكهف ...
كل الحواس تنام ماعدا الاذن , فانت اذا قربت يدك من شخص نائم لا يستيقظ وإذا ملأت الغرفة عطرا أو حتى غازا ساما فانه يستنشقه و يموت دون أن يستيقظ , ولكن اذا أحدثت صوتا عاليا فانه يقوم من النوم ..
والاذن هى اول حاسه تعمل منذ الولاده وهى اداه الاستدعاءعند البعث وفي سوره الكهف يخبرنا جل جلاله بان سبب نوم الفتيه هذه السنين الطويلة هو انه تعالى ضرب على آذانهم .. فاصبح النهار كالليل بلا ضجيج ...
وقد فضل الله تعالى السمع على البصر و قدمه فى الترتيب فى عده آيات مثل قول الله تعالى (( صم بكم عمى فهم لايعقلون )) الآية 171 من سورة البقره ...
وبالفعل فكم سمعنا عن ادباء و فلاسفه ضريرين .. مثل الشاعر أبو العلاء المعري والاديب طه حسين و غيرهم كثيرون ولكن العلماء و الادباء الصم أقل بكثير من العلماء الضريرين ...
والأذن هى الحاسة الوحيدة التي لا تستطيع ان تعطلها بارادتك .. فأنت تستطيع أن تغمض عينك او تشيح بوجهك بعيدا اذا لم ترد رؤيه شخص معين ..
وتستطيع ان لا تأكل .... فلا تتذوق ...
و ان تغلق انفك عن رائحه معينه ...
او لا تلمس شيئا معينا لا ترغب بلمسه ...
و لكن الاذن لاتستطيع اعطالها حتى لو وضعت يديك عليها ...
حتماً فسيصلك الصوت !!!
(( فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين )) الآية 52 من سوره الروم ..
هنا شبه الله الذين لاينصاعون لامره بالموتى والصم ..
(( افأنت تسمع الصم أو تهدى العمى ومن كان فى ضلال مبين )) الآية 40 من سورة الزخرف ...
°قال الله تعالى في سورة النحل آية 78: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون).
تفسير علمــــــــــاء الدين:
والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تدركون شيئا مما يحيط بكم وجعل لكم السمع والابصار والافئدة وسائل للعلم والادراك لتؤمنوا به عن طريق العلم وتشكروه على ما تفضل به عليكم.
النظرة العلمية: يؤكد لنا العلم بدلائله الكثيرة أن حاسة السمع تسبق حاسة البصر في أداء وظيفتها، ولم يكن أحد يعلم ذلك وقت نزول القرآن، وقد ورد تقديم السمع على البصر في أكثر من سبعة عشر موضعا منها قوله تعالى:
[110]
(وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة) (الاحقاف آية 26) (حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم) (فصلت آية20) (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) (الاسراء 36) ويقرر العلم أن حاسة السمع تبدأ مبكرة في أداء عملها في الاسابيع القليلة الاولى بعد ولادة الطفل، أما البصر فيبدأ عمله في الشهر الثالث ولا يتم تركيز الابصار إلا بعد الشهر السادس، ودليل ذلك أن أذن الطفل تؤدى وظيفتها عقب ولادته لانه إذا سمع صوتا شعر به وأحسه فورا وصدر عنه ما يدل على التأثر به، أما عين الطفل فإنها لا تؤدى وظيفتها إلا بعد فترة من ولادته، ودليل ذلك أنك إذا مددت يدك قريبا منها لا ترمش ولا تتحرك.
ومن روعة الإعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه يذكر الفؤاد بعد السمع والبصر لمعنى علمى دقيق أيضا وهو أن اكتساب العلم يحصل بعد الانتقال من مرحلة الادراك الحسى بالسمع والبصر إلى مرحلة الادراك العقلى، وهذه هى طريقة تعلم المعارف والخبرات وكلها تجيئ بحسب الترتيب الذى ذكره القرآن وهو الادراك الحسى أولا ثم الادراك العقلى، ودليل ذلك وأضح في أن الطفل يولد لا يعلم شيئا ثم تتوالى عليه المدركات الحسية وتتكاثر عن طريق السمع ثم اليصر فإذا ما صارت مجموعة المدركات الحسية كافية يأتى دور الفؤاد ليعقل ويعى ما أدركه الطفل منها بحواسه.
وهناك حقيقة أخرى في تقديم السمع على البصر وهو أن القرآن يذكر السمع مفردا ويذكر الابصار بصيغة الجمع وفى ذلك سر من أسرار الاعجاز أيضا لان استقبال الاذن للمسموع لا خيار للانسان فيه حيث لا حجاب يحجب وصول الصوت إلى طبلة الاذن، أما العين فللانسان الخيار في أن يرى أو لا يرى ولها جفون تساعد على ذلك.. التحرير والتنوير (يونس 31)
وأفرد { السمع } لأنه مصدر فهو دال على الجنس الموجود في جميع حواس الناس.
وأما { الأبصار } فجيء به جمعاً لأنه اسم، فهو ليس نصاً في إفادة العموم لاحتمال توهم بصر مخصوص فكان الجمع أدل على قصد العموم وأنفى لاحتمال العهد ونحوه بخلاف قوله:
{ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً }
[الإسراء: 36] لأن المراد الواحد لكل مخاطب بقوله: { ولا تقفُ ما ليس لك به علم } (الأنعام 46)
والمراد بالقلوب العقول التي بها إدراك المعقولات.
والسمع مصدر دالّ على الجنس فكان في قوة الجمع، فعمّ بإضافته إلى ضمير المخاطبين ولا حاجة إلى جمعه.
والأبصار جمع بصر، وهو في اللغة العين على التحقيق. وقيل: يطلق البصر على حاسّة الإبصار ولذلك جمع ليعمّ بالإضافة جميع أبصار المخاطبين، ولعلّ إفراد السمع وجمْع الأبصار جرى على ما يقتضيه تمام الفصاحة من خفَّة أحد اللفظين مُفْرداً والآخر مجموعاً عند اقترانهما، فإنّ في انتظام الحروف والحركات والسكنات في تنقُّل اللسان سِرّاً عجيباً من فصاحة كلام القرآن المعبّر عنها بالنَّظم. وكذلك نرى مواقعها في القرآن قال تعالى:
{ وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء } [الأحقاف: 26].
والقلوب مراد بها العقول في كلام العرب لأنّ القلب سبب إمداد العقل بقوّة الإدراك. خواطر الشعراوي (يونس 31)
وحين نظر العلماء في معاني الألفاظ قالوا: " النظائر حين تخالف فلا بد من علّة للمخالفة " فالسمع آلة إدراك، والبصر آلة إدراك، فلماذا قال الحق سبحانه في آلة الإدراك " السمع " ، وقال في الآلة الثانية " الإبصار "؟، ولماذا جاء السمع بالإفراد، وجاء الإبصار بالجمع، ولم يأتْ بالاثنين على وتيرة واحدة؟
فنقول: إن المتكلم هو الله تعالى، وكل كلمة منه لها حكمة وموضوعة بميزان، وأنت، حين تسمع، تسمع أي صوت قادم من أي مكان، لكنك بالعين ترى من جهة واحدة، فإنْ أردتَ أن ترى ما على يمينك فأنت تتجه بعينيك إلى اليمين، وإنْ أردت أن ترى ما خلفك، فأنت تغيِّر من وقفتك، فالأذن تسمع بدون عمل منك، لكن البصر يحتاج إلى عمليات متعددة؛ لترى ما تريد.
وأيضاً فالسمع لا اختيار لك فيه، فأنت لا تستطيع أن تحجب أذنك عن سماع شيء، أما الإبصار فأنت تتحكم فيه بالحركة أو بإغلاق العين.
وجاء الحق سبحانه وتعالى بالسمع أولاً؛ لأن الأذن هي أول وسيلة إدراك تؤدي مهمتها في الإنسان، أما العين فلا تبدأ في أداء مهمتها إلا من بعد ثلاثة أيام إلى عشرة أيام غالباً.
وهنا يقول الحق سبحانه: { أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ } [يونس: 31].
والحق سبحانه يملكها؛ لأنه خالقها وهو القادر على أن يصونها، وهو القادر سبحانه على أن يُعَطِّلها، وقد أعطانا الحق مثالاً لهذا في القرآن فقال عن أصحاب الكهف:
{ فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً }
[الكهف: 11]
فَعَطَّل الله سبحانه أسماعهم بأن ضرب على آذانهم، فذهبوا في نوم استمر ثلاثة قرون من الزمن وازدادوا تسعاً.
كيف حدث هذا؟.. إن أقصى ما ينامه الإنسان العادي هو يوم وليلة، ولذلك عندما بعثهم الله تساءلوا فيما بينهم: { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [الكهف: 19].
ولكن هيئتهم لم تكن تدل على هذا، فإن شعورهم قد طالت جدّاً، بل إن لونها الأسود قد تبدل وأصبحوا شيباً وكهولاً، ولذلك قال الحق سبحانه: { لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } [الكهف: 18].
ونلحظ هنا ملحظاً يجب الانتباه إليه، ففي هذه الآية الكريمة يقول الحق سبحانه: { أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلأَبْصَارَ } [يونس: 31].
بينما يقول في آية أخرى في سورة السجدة: { وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ } [السجدة: 9].
ولا بد أن ننتبه إلى الفارق بين " الخَلْق " و " الجَعْل " ، و " الملْك " ، فالخلق قد عرفنا أمره، وملكية كل شيء لله ـ تعالى ـ أمر مُلْزِمٌ في العقيدة، ومعروف، أما " الجَعْل " ، فهو توجيه ما خلق إلى مهمته.
فأنت تجعل الطين إبريقاً، والقماس جلباباً، هذا على المستوى البشري، أما الحق سبحانه وتعالى فقد خلق المادة أولاً، ثم جعل من المادة سمعاً وبصراً، وزاد من بعد ذلك { أَمَّن يَمْلِكُ } ، فمن خَلَق هو الله تعالى، ومن جَعَلَ هو الله تعالى، ومن مَلَكَ هو الله تعالى.
معلومة بيانية جميلـــــــــــة:
إفراد السمع وجمع البصر:
لأن السمع غلب عليه المصدرية (أي حقيقة عملية السمع التي تتم في مركز السمع في المخ) فأفرد ، وهو إدراك لمؤثر واحد وهو الاهتزازات الصوتية . واللائق بالأبصار هو الجمع ، لأن عملية الإبصار تتم عن طريق الإدراك لآثار الألوان المختلفة على مركز الإبصار .
قال وقلت :
دخل على مجلسنا شاب جليل القدر قريب المكانة وشاركنا في مطعمنا ومشربنا ونحن متبذّلون متبسّطون وفاتحنا بمسألة دقيقة طالباّ تفجير عيونها وإساحة كظائمها : ما الحكمة من إفراد السمع وجمع الأبصار في آيات من كتاب الله ..؟
قال الشيخ : تلك مسألة نفيسة تكلم فيها السابقون اللاحقون وتنافسوا في تحريرها على وجوه كثيرة منها :
إن السمع يُدرَك به من جهات كثيرة وفي الظلمة والنور فإذا توحدت جهة إدراكها توحّد لفظ هذه الجهة ؛ وأما البصر فلا يُرى به إلا جهة واحدة تلك التي تقابلك فلذلك احتيج إلى الجمع والتعداد فيه لإظهار جميع جهات البصر .
قال عثمان : وهناك وجه لغوي جليل وهو أن السمع مصدر سُمّي به فأفاد الجنس(جنس السمع) الموجود في جميع حواس الناس والجنس فيه عموم ؛ وأما الأبصار فهي جمع بصر وهو اسم لا يفيد العموم لاحتمال توهّم بصر مخصوص حين إفراده فكان الجمع أدل على معنى العموم فيه .
قال الشيخ : ولِمَ الإفراد إذن في قوله تعالى:"إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا" أيا عثمانُ !؟
قال عثمان : الخطاب هنا لكل أحد من أجل تحديد المسؤولية فوقع على كل أحد مخاطَبٍ بعينه فكل آلة سمع لأحد وكل آلة بصر له تحت طائلة المسؤولية الفردية المباشرة .